رغم أن الذرة قد تبدو مجرد كيان صغير، إلا أنها في الواقع عالم معقد يضم مجموعة من المكونات التي تتفاعل مع بعضها لتشكل كل ما نعرفه. إن فهم هذا الكيان ليس مجرد دراسة نظرية، بل هو مفتاح لفهم الكون على المستوى المجهري، من أصغر التفاعلات الكيميائية إلى بنية المادة نفسها.
يتناول هذا المنشور كل ما تحتاج لمعرفته حول الذرة. في البداية، سنشرح مكوناتها الرئيسية (البروتونات، النيوترونات، والإلكترونات). ثم سنقدم نظرة شاملة على تاريخ النظريات الذرية وكيف تطور فهمنا للبنية الذرية مع مرور الزمن حتى وصلنا إلى النموذج الحديث الحالي لها. وأخيرًا، سنوضح أبرز الخصائص الفيزيائية والكيميائية للذرة.
تعريف الذرة
يمكن تعريف الذرة بأنها أصغر جزء من العنصر يدخل في التفاعلات الكيميائية ويحمل صفات ذلك العنصر. وتحتوي الذرة على مكونات أصغر منها وهي؛ نواة موجبة الشحنة وإلكترونات سالبة الشحنة الكهربية.
تحتوي النواة على جسيمات تسمى "البروتونات" وهي المسؤولة عن الشحنة الموجبة، وجسيمات أخرى لا تحمل أية شحنة تسمى "النيوترونات".
تركيب الذرة (مكونات الذرة)
تتكون الذرة من مكونين رئيسيين هما:
1. النواة
وهي الجزء المركزي للذرة وتتكون من نوعين من الجسيمات:
أ. البروتونات:
هي جسيمات موجبة الشحنة توجد داخل النواة. يحدد عدد البروتونات في نواة الذرة العنصر الكيميائي ويسمى هذا العدد "العدد الذري". فكل عنصر في الجدول الدوري له عدد بروتونات فريد.
ب. النيوترونات:
هي جسيمات متعادلة كهربائياً (غير مشحونة) توجد داخل النواة. يمكن أن يختلف عدد النيوترونات في ذرات العنصر الواحد، مما يؤدي إلى تكون النظائر. تحتوي معظم الذرات على نيوترونات، باستثناء نظير الهيدروجين المعروف باسم البروتيوم (1H)، الذي لا يحتوي على أي نيوترونات.
2. الإلكترونات
هي جسيمات صغيرة جداً وسالبة الشحنة، تدور حول النواة في مناطق تسمى "مستويات الطاقة". كتلة الإلكترون ضئيلة للغاية (حوالي 1/1836 من كتلة البروتون)، لذلك يُهمل تأثيرها عملياً عند حساب الكتلة الذرية للذرة.
تميل الإلكترونات إلى شغل أقل مستويات الطاقة المتاحة، ولكنها يمكن أن تنتقل إلى مستوى طاقة أعلى إذا امتصت طاقة (مثل فوتون من الضوء)، أو تهبط إلى مستوى طاقة أدنى عند فقدان الطاقة.
الكتلة الذرية: تتركز كل كتلة الذرة تقريباً في نواتها، لأن كتلة الإلكترونات ضئيلة جداً مقارنة بكتلة النواة. كتلة البروتون وكتلة النيوترون متقاربتان جداً (كتلة النيوترون أكبر قليلاً). لذلك، تساهم البروتونات والنيوترونات معاً في تكوين الكتلة الذرية بشكل أساسي. ويُعرف العدد الكتلي للذرة بأنه مجموع عدد البروتونات والنيوترونات في نواتها.
يوضح الجدول التالي كتل مكونات الذرة الأساسية:
| الجسيم | الشحنة | الكتلة (كجم) |
|---|---|---|
| النيوترون | 0 | 1.675×10-27 |
| البروتون | +1 | 1.673×10-27 |
| الإلكترون | -1 | 9.109×10-31 |
هيكل الذرة
المقصود بهكل الذرة هنا هو الشكل الهندسي له. بالنظر إلى بعض الصور التوضيحية للذرة، وكذلك بعض المعلومات العامة؛ يبدو للمرء أن الذرة تشبه المجموعة الشمسية. لكن الصور الأكثر دقة للذرة وما نتاج عن التجارب من معلومات تظهر بنية مختلفة بعض الشيء. لذلك تابع المختصر عن النظريات الذرية التالي، لفهم شكل الذرة. والصورة التوضيحية أدناه لشكل ذرة الكربون.

اقرأ أيضًا: التوزيع الإلكتروني: فهم مستويات الطاقة الرئيسية والفرعية في الذرات.
تاريخ تطور مفهوم البنية الذرية
مر مفهوم الذرة بتطورات كثيرة على مر التاريخ، بدءاً من أفكار أولية بسيطة تمازجها الأخطاء وقصر التفسير، وصولاً إلى النظريات المعقدة والدقيقة التي نعرفها اليوم.
البدايات والنظريات السابقة
رغم أن الفهم العلمي لبنية الذرة لم يبدأ إلا مع بدايات العصر الحديث، فإن فكرة وجود وحدات أولية لا تتجزأ تعود إلى الفلسفة اليونانية القديمة. فقد طرح الفيلسوف اليوناني ديمُقريطُس (Democritus) في القرن الخامس قبل الميلاد تصورًا جريئًا مفاده أن المادة تتكون من جسيمات صغيرة صلبة سماها الذرات (atomos) أي "غير القابلة للانقسام".
ورغم أن فكرته كانت فلسفية بحتة ولم تستند إلى تجارب علمية، فإنها أرست الأساس النظري الذي مهّد لظهور النماذج الذرية اللاحقة في القرون التالية. شكلت النظريات التالية حلقات أساسية في رحلة فهم تركيب الذرة، حيث قام كل عالم بالبناء على إنجازات سابقيه وتصحيحها.
نظرية دالتون (1807): قدم جون دالتون نظرية مفادها أن الذرة هي أصغر جزء في المادة يمكن أن يدخل في تفاعل كيميائي، وأن ذرات العنصر الواحد متشابهة. افترض دالتون أن الذرة كرة مصمتة لا يمكن تقسيمها، وذلك لأن الجسيمات دون الذرية مثل الإلكترونات لم تكن مكتشفة بعد.
نظرية طومسون (1903): اكتشف طومسون الإلكترونات، مما دحض فكرة أن الذرة غير قابلة للتجزئة. واقترح نموذج "قطعة البودنج"، الذي يمثل الذرة ككرة موجبة الشحنة تتوزع بداخلها الإلكترونات السالبة مثل الزبيب.
نظرية رذرفورد (1911): من خلال تجربة صفيحة الذهب، اكتشف رذرفورد أن الشحنة الموجبة للذرة مركزة في نواة صغيرة جداً وكثيفة في مركزها، بينما تدور الإلكترونات حول هذه النواة في فراغ كبير، مبطلاً بذلك نموذج طومسون.
نموذج بوهر (1913): قدم نيلز بور تحسيناً على نموذج رذرفورد باقتراح أن الإلكترونات تدور حول النواة في مدارات دائرية ثابتة أو مستويات طاقة محددة، ولا تشع طاقة ما دامت في مدارها.
النموذج الذري الحديث
يعد النموذج الذري الحديث تطوراً جذرياً عن نموذج بور، حيث دمج مفاهيم ميكانيكا الكم التي ساهم فيها علماء مثل شرودنغر وهايزنبرج. لم يعد الإلكترون جسيماً يدور في مدار محدد، بل يتم تمثيله على شكل "سحابة إلكترونية" تعبر عن الاحتمالية المتغيرة لإيجاده في منطقة معينة حول النواة. ويُعزى هذا التمثيل إلى مبدأ عدم اليقين الذي ينص على استحالة تحديد موقع الإلكترون وزخمه بدقة في نفس اللحظة. تحدد هذه المناطق الاحتمالية، المسماة "الأوربيتالات"، مستويات الطاقة المختلفة للإلكترون.

خصائص الذرة
يمتلك الذرة العديد من الخصائص الكيميائية و الخصائص الفيزيائية؛ وهذه الخواص تختلف باختلاف الذرات. تختلف الذرات في طريقة تفاعلها مع الذرات والمركبات الأخرى.
مثلا بعض الذرات لديها كهرسلبية عالية أي أنها رديئة التوصيل للحرارة والكهرباء. وتختلف كذلك في ألوانها وبعضها ذو نشاط كيميائي عالي وبعضها خاملة كيميائيا مثل الغازات النبيلة.
بعض عناصر الذرات صلبة مثل الحديد والنحاس وبعضها سائل مثل الزئبق والبعض الآخر غاز مثل غاز الفلور والكلور والنيتروجين.
بعضها يكون أيونات موجبة، أي أعداد أكسدة موجبة والبعض الآخر يكون أيونات سالبة، وتختلف أيضا في طاقات التأين.
زيادة العدد الذري (عدد البروتونات) أو نقصانه يؤدي إلى اختلاف في أنواع الذرات. لكن زيادة عدد النيوترونات لنفس الذرة ينتج عنها ما يسمى ب "النظائر".
اقرأ أيضا: الحجم الذري وكيفية زيادته في الجدول الدوري.
_______________
1. 3.1 Modern Atomic Theory - Chemistry LibreTexts.
2. Joseph Comunale, Rebecca Gillaspy. Updated: 11/09/2021. What is the Modern Atomic Theory?.